الاثنين، 21 مايو 2012

باب ما جاء في أن (نصرة الله) تبرّر الوسيلة مهما كانت


 خفتت الضجة التي أحدثتها التغريدة المكذوبة والمنسوبة للاستاذة حصة آل الشيخ، وبقيت الدروس والعبر التي تركتها لنا تلك الضجة. واذا كان الانسان يتعلم من المواقف والاحداث الواقعية التي يعايشها أكثر مما يتعلم من الكتب والمناهج النظرية الصمّاء، فان قيمة هذه المواقف والدروس المستنبطة من حادثة حصة آل الشيخ تزداد اذا كان المعلمون هم نخبة من فضلاء ومشاهير الساحة الدينية والثقافية

تعلمت من تلك الضجة أن تقديم حسن الظن والتريث والتثبت قبل اطلاق الأحكام، هي فضائل يحث عليها الاسلام في نصوص كثيرة، ولكنها تكون (غير ملزمة) اذا كانت الغاية المزعومة هي نصرة الله عز وجل. وفي سبيل هذه الغاية العظيمة لا يهم كثيرا أن نتثبت أو نتريث قبل الحكم بتكفير المعيّن وردته والتشهير به وتجييش الراي العام ضده





تعلمت أن المسارعة في التكفير هي ابراء للذمّة أولا، لا بد وان يسبق المطالبة بالمحاكمة الشرعية، ولا ندري ما عسى أن تحكم به هذه المحكمة الفقيرة الى الله وقد سبقها القوم في اصدار احكام التكفير والردة بل والمطالبة بقتل المرتد المعيّن بزعمه. وما على القاضي الا ان يبصم على ما سبق والا فقد يناله بعض ما نال المفتي من مزاعم بالمحاباة أو التقاعس عن نصرة الذات الالهية



وبرغم أن الاسلام أتى بمكارم الاخلاق ونهى عن فاحش القول وسئ اللفظ، الا أن هناك استثناء يتعلق بغاية نصرة الله عز وجل. حينها يجوز رمي المعيّن باسمه الصريح، والذي لم يثبت عليه القول المسئ، بالفسق والوضاعة وغيرها من الالفاظ. فلا عتب على بعض من يظنون أنهم يدافعون عن الدين بالتعليقات البذيئة في تويتر واليوتيوب والمنتديات، لأنهم بكل بساطة سبقوني الى تعلّم هذا الدرس القيّم من شيوخنا الأفاضل وسارعوا بتطبيقه



تعلمت ايضا أن اظهار الفرحة والشماتة جائز في سبيل نصرته جلّ في علاه


وأن استعداء الرأي العام واستنهاض همم الناس ضد السلطة السياسية، وأحيانا ضد السلطة الدينية ( متمثلة في سماحة المفتي)، في سبيل نصرة الله مما يتقرب به اليه عز وجل، خصوصا اذا لوحظ تريث أو ترويّ السلطات في معالجة القضية



ومما تعلمته أيضا أن النيل من أسرة فاضلة عريقة لها مكانتها، بسبب تغريدة مكذوبة نسبت لأحد أفرادها يجوز في سبيل الغاية الأعظم: نصرة الله عز وجل



لكن الدرس الأكثر قيمة كان على يد سماحة المفتي نفسه، فقد جسّد تصريحه المعتدل ما جاء به المصطفى عليه السلام من سماحة ورفق وحكمة، ورأينا عدل الاسلام في دعوة سماحته للتثبت والتريث وللأخذ بيد المسلم المخطئ ومناصحته والتماس العذر له، واذا ثبت على خطأه فتعزيره دون تشهير به أو تجريح له ولأسرته. وبالرغم أن كلام المفتي الذي يتعالى على فوضى التحريض والتجييش برّد قلوبنا، الا أن غياب هذه اللغة المعتدلة في قضية حمزة كشغري، والذي قضى -حتى الآن- أكثر من مئة يوم خلف القضبان دونما محاكمة عادلة أو استتابة، ورّث في نفوس الكثيرين - بنفس قدر الفرحة بهذا الموقف المتسامح- حسرة على ذاك النحيل اليافع



أختم تدوينتي باقتباسين من مقال للاستاذة حصة آل الشيخ نشر قبل عدة اشهر في جريدة الرياض بعنوان: أبواب الرحمة .. المشرعة .. المغلقة

في أجواء الكره نتحامل على الحق ونستدل بالباطل ونتنكب عن الحقيقة ونغشى طرق البغي والجهل، ولن تهنأ نفوس بغت الانتقام الا ان تبرد غلّها بالخبث، وليس يقابل منهج الله خبث كتقديم الكره على المحبة

 الكارهون لو بيدهم لنزعوا من التاريخ صفحات التسامح، وقنطوا المرء من رحمة ربه، فللدين قدرة للدفاع عن نفسه بالمنطق والحجة، وليس بالهمجية والعنف، ولن يرفع الدين الا لغة الله التي ذكّر بها نبيه بقوله تعالى "فاصفح الصفح الجميل"