الثلاثاء، 19 مارس 2013

خطابات المشايخ .. والاصلاح المنشود



تحذير
اذا كنت ممن يرفعون شعار "لا صوت يعلو على صوت المعركة"، وترى أنه ينبغي علينا أن نكون يداً واحدة ما دام الهدف واحدا، وأن أي خطاب ينتقد الداخلية أو يطالب بتحسين الأوضاع يمثلك .. فلعلك تفضل أن تتوقف عن القراءة عند هذا الحد، لأن هذه التدوينة ليست موجهة لك
*                         *                           *                                      
    
في الأيام الماضية وجه الشيخ سلمان العودة خطابه المفتوح للداخلية، والذي كان قد وعد به قبلها بفترة. وتلاه الشيخ عوض القرني الذي قرر نشر خطاب كان سبق وأرسله الى ولي العهد الأمير نايف قبل سنتين. ثم ظهر الشيخ ناصر العمر على قناة المجد ليتحدث عن خطاب مناصحة وقّعه 70 شخصا قبل عشر سنوات غابرات مغبرات، وتم ارساله للديوان الملكي ولولي العهد ووزير الداخلية وأمير الرياض، ويناقش هذا الخطاب كما يذكر العمر اشكاليات تتعلق بـ 14 ملف منها -على سبيل المثال- القضاء الشرعي والأسرة والمرأة وحقوق الانسان الشرعية والاعلام والثقافة والأمن الفكري 

ركّز خطاب العودة على قضية المعتقلين تعسفيا، وقدّم حلا مؤقتا يناسب السياسي ويوفر عليه الكثير من وجع الرأس الذي سببه له مطالب الاصلاحيين، فقد طالب باغلاق ملف الاعتقال التعسفي والافراج عمن لم تثبت عليهم التهم وتعويضهم، والابقاء على من صدرت ضدهم أحكام شرعية قطعية. وباستثناء اشارته العابرة لاستقلال القضاء وفك ارتباطه بالداخلية، لم يتكلف العودة أي جهد في التركيز على أساس مشكلة الاعتقال التعسفي واكتفى بمعالجة أعراضه 

وبالمقابل، كان خطاب القرني الأقدم زمنا ورؤية أشمل في تناوله لقضايا أكثر، وان كان أخف في لهجته من خطاب العودة، ولعل السبب هو أن الخطاب لم يكن معداً لنشره أمام الرأي العام بعكس خطاب العودة. اكتفى الخطاب في بعض فقراته بمطالبة السياسي بالنظر في هذا الملف أو ذاك بعد سرد المشكلات، وقدّم في فقرات أخرى بعض الحلول مثل تطوير آليات المشاركة الشعبية السياسية، وكذلك مبادراته فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. كما تحدث عن حقوق المواطنة للشيعة وطالب بدمجهم في المجتمع بدلا من المعالجات الأمنية

القاسم المشترك بين هذه الخطابات، باستثناء خطاب العمر الذي لم أجده منشورا بعد، وبالتالي يتعذر نقد محتواه ومضمونه، هو انخفاض سقف مطالبها، واكتفاءها بذكر المشكلات ثم عرض الحلول التي تناسب السياسي، وتجنب تلمس أسس هذه المشكلات وجذورها، وهي الجذور التي يمكن أن يهدد اجتثاثها بعض صلاحيات السياسي ومكتسباته. هذه الطريقة في عرض الأزمة والحل لا تستفز السياسي، كما أنها تجذب الكثير من أفراد الشعب من غير المؤدلجين أو المسيّسين، وهو ما يمكن ملاحظته من التفاعل الكبير الذي حظي به خطاب العودة مثلا. لكنها على المدى البعيد ستضر بالخطاب الاصلاحي، خاصة مع انجرار الكثيرين بما فيهم بعض الناشطين لمحاولة صبغ هذه الخطابات بصبغة اصلاحية ما دامت تخاطب الداخلية وتطالب بحقوق المعتقلين 

في مقاله "كيف كسب الاصلاح جولته: محاكمة حسم نموذجا"، يذكر عبدالله العودة أن الخطاب الاصلاحي استطاع أن يقدّم اجابات وحلول جذرية للكثير من القضايا التي تشغل الرأي العام. فمشاكل السكن والبطالة مثلا سببها الفساد الاداري والمالي، وهذا الفساد لا يمكن اجتثاثه بدون انتخاب مجلس الشورى والرقابة على المال العام عبر مؤسسات شعبية وعبر السعي لتأسيس دولة الحقوق والمؤسسات. كما ربط حل قضية المعتقلين تعسفيا بمطلب سيادة القانون واستقلال القضاء، وهذه المطالب وغيرها هي التي ترسم معالم مشروع الاصلاح السياسي الذي دفع أصحابه سنوات من أعمارهم في السجون والزنازين المظلمة ثمنا له 

هنا تكمن خطورة اعتبار خطابات المشايخ التي تهيئ الجماهير للقبول بالحلول المؤقتة والسريعة دون تلمس جذور الأزمة جزءا من الخطاب الاصلاحي، خاصة اذا ما ترافقت مع استجابة السياسي لبعض هذه المطالب وهو ما لا أستبعده في الفترة القادمة. فهي من جهة تنفّس عن الاحتقان الشعبي المتراكم، والذي زادت حدته بعد الاعتصامات الأخيرة ومحاكمة حسم. وتخفض سقف مطالبات الحراك الحقوقي والاصلاحي، وتساهم في تبديد الزخم الذي بدأت تحظى به هذه المطالبات من جهة أخرى

خطاب العودة ومناصحات القرني والعمر وغيرهم كلها جهود لتحريك المياه الراكدة تذكر فتشكر، لكنها ليست خطابات اصلاحية، ولا ينبغي أن يتم تصويرها كذلك كي لا نقبل بسقف أضيق من طموحاتنا ومطالبنا ونعود لمرحلة كنا قد تجاوزناها. وكما قال سطام الرويس "هناك فرق بين أن يمثلك خطاب العودة وبين أن تنضوي تحت خطاب الحامد .. ولا يمكن أن تضع قدما هنا وأخرى هناك"