السبت، 27 أكتوبر 2012

قانون التحرش الجنسي .. وصراع التيارات



قبل عدة اشهر قدّم مجلس الشورى السعودي مسودة مشروع لايجاد نظام يحمي المرأة من اضرار التحرش الجنسي، ويقرّ بتحديد عقوبات للمتحرش تشمل الانذار والغرامات المالية الكبيرة وصولا الى الجلد والسجن. فيما بعد تم استبعاد المشروع مع ضم قضية التحرش بالمرأة الى برنامج "الحماية من الايذاء للأسرة"

وكعادة كل المواضيع التي تتعلق بالمرأة، تحول النقاش حول اقرار قانون التحرش الجنسي الى لهيب صراع التيارات المسكون بالتعصب وسوء النية والحرص على الانتصار للذوات على حساب المصلحة العامة. وان كان موقف المحافظين ورفضهم للقانون باعتباره ضمن الاجندة التغريبية للمجتمع عجيبا وغير مفهوم، فالأعجب منه استبشار الليبراليين وترحيبهم المبالغ فيه واعتبار القانون انتصارا لهم ولفكرهم. وفي هذا الجو المتأزم تضيع الحقائق وسط المبالغات التي تتجاوز حدود المنطق والعقل، والتي يلجأ اليها كل فريق لدعم موقفه.

السؤال الحقيقي الذي من المفترض أن يطرح قبل الدخول في معمعة الجدل هو: هل يوجد تحرش جنسي في السعودية؟

والاجابة هي نعم بالتأكيد، قد نتجادل حول ما اذا كانت ظاهرة أو أزمة تهدد المجتمع، وقد يتعذر الاستشهاد بنسب دقيقة كما يحدث في الدول المتقدمة لعدة أسباب منها أن معظم خطايانا في الظلام لغياب الاحصائيات الموثوقة ولجوء ضحايا التحرش في العديد من الحالات الى الصمت واحجامها عن التبليغ أو التقدم بالشكوى لأسباب في غالبها اجتماعية. ومع ذلك فلا يمكن لأحد ان يزعم "ملائكية" المجتمع أو ينفي وجود التحرش، وحتى اولئك المحافظين الذين يرفضون قانون التحرش بحجة أنه لا توجد ضرورة له، هم أنفسهم من سيحدثونك عن الذئاب البشرية وأصحاب القلوب المريضة لو انتقل النقاش للحديث عن دور الهيئة. اذاً يمكن أن نسلم بأن الطرفين يقرّان بوجود حالات التحرش الجنسي في المجتمع بكل درجاته وأنواعه.

مشكلة المعارضين للقانون من المتحفظين أنهم نظروا اليه من منطلق صراعهم الأزلي مع التيار الليبرالي، وبالتالي فهم لم يفهموا القانون من حيث دوافعه ونتائجه، بل تعاملوا معه وفهموه على أنه مشروع تغريبي وأنه يهدف لتشريع الاختلاط وتقنينه كما عبّرت الدكتورة نورة السعد في رسالتها الى مجلس الشورى التي تطالبهم فيه بالغاء نقاش القانون وعدم اقراره. واذا تفهمنا أسباب اعتراض المحافظين ومخاوفهم، فاننا لم نفهم بعد الحل البديل الذي يقدّمونه للحدّ من حالات التحرش، بدلا من تركها تسبح في العموميات وتخضع لمزاج القاضي واجتهاداته. فلم تعد عبارة "تطبيق الشريعة" المستهلكة الفضفاضة تفي بالغرض، خصوصا اذا علمنا أن مفهومهم لتطبيق الشريعة هو منع المرأة من الاختلاط في بيئات العمل وحبسها في البيت كي لا تتعرض للتحرش، في تجاهل تام لحقيقة أن التحرش بات موجودا في كل مكان، في الاسواق والمستشفيات والشوارع وفي الحرم، بل حتى بعض البيوت لم تخلو من حالات تحرش المحارم. وبالتالي يتناسى هؤلاء أن غاية تطبيق الشريعة هو تحقيق المصلحة التي تساير حياة الناس لاالتصادم مع بديهيات واقعهم ومتغيراته، ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار سنّ القوانين "الوضعية " التي تحمي المجتمع ضد المصلحة العامة.

وبالنظر من زاوية أخرى نجد أن فرض قوانين وأنظمة مدنية واضحة تحكم المجتمع وتردع المتحرش لن يتوقف تأثيرها على تعزيز الأمان وتهذيب التعاملات بين الناس فقط، بل سيمنح المرأة حق التعبير عن كيانها كفرد مكلف ومسؤول ومحاسبة كل من يتعدى عليها بالمضايقات أو الانتهاكات، وسيلغي تدريجيا ذهنية لوم الضحية السائدة في المجتمع والتي تفترض أن من تتعرض للتحرش تستحقه لأنها خرجت من منزلها أو لأنها لم تلتزم بالحجاب الكامل الخ. مما يعني أن السبب الحقيقي وراء تذمر المحافظين من سنّ مثل هذه القوانين، هي معرفتهم بأنها ستفقدهم مبررات تسلطهم على خلق الله بدعوى حماية الفضيلة، وتنهي ثنائية الذئب البشري/الفريسة التي تكّسب منها الخطاب الديني المحافظ ردحاً من الزمن، خصوصا حين يظهر تهافتها بالتزام الشاب السعودي بذات القوانين التي يلتزم بها حين يكون في دبي أو لندن والتي تجعله يخشى ان يرفع بصره لأي امرأة  تمر أمامه ناهيك عن التلفظ عليها خوفا من أن تتهمه بالتحرش بها وتعرّضه لعقوبات هو في غنى عنها

بقي أن أشير الى أن قانون التحرش الجنسي لن يكون الحل الجذري لسوء الخلق ولن يساعد في تغيير النفوس القبيحة، تماماً بنفس الطريقة التي لم يكن بها الوعظ الديني والوجداني وحده كفيلا بتنظيم العلاقات بين الناس، والمطالبة باتخاذ التدابير القانونية لا يعني بالضرورة الدعوة للتخلي عن الأساليب التي تهدف لتقويم سلوك الفرد سواءً بالتنشئة الدينية أو الوعظ الأخلاقي وغيره

:روابط أخرى 

http://whymecampn.blogspot.com/2012/10/re-publish.html

http://voicesofyoungsaudisoftheng.blogspot.com/2012/10/blog-post.html?utm_source=twitterfeed&utm_medium=twitter