الاثنين، 19 سبتمبر 2011

في (كليتنا).. وزيرة خارجية



  كان يوم الثلاثاء الماضي يوما مشهودا في كلية دار الحكمة بجدة والتي اختارتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لتقيم في رحابها لقاءها مع طلاب وطالبات جدة ، فالوزيرة المصون تحرص في زياراتها المكوكية على أن تقتطع من وقتها الثمين للقاء طلاب وطالبات الجامعات في البلدان التي تزورها، وفي هذه الزيارات يتجلى دهاء أبناء العم سام الذين يعون جيدا أن شباب اليوم هم صناع المستقبل وقادة الغد لذا يحرصون على الالتقاء بهم والتقرب اليهم

  جهود الكلية بالتعاون مع السفارة الأمريكية في التحضير للمناسبة كانت أكثر من رائعة، وبالطبع تأخر الوزيرة لأكثر من ساعة كاد يطيح بكل تلك الجهود خصوصا بعدما بدأ الكثيرون بمغادرة القاعة قبل حضور الوزيرة، وقد علمنا أن سبب الـتأخر الفظيع كان من مكتب الأمير خالد الفيصل حيث طال لقاؤها بالأمير أكثر من الموعد المحدد

  طبعا تحدثت الصحف كثيرا عن الخبر، ولهذا لا يهمني في قليل ولا كثير تمجيد الحدث بقدر ما يهمني الحديث عن وجهة نظري حول الموضوع.. والحقيقة أن مستوى الأسئلة المطروحة كان ضعيفا جدا وساهم في ضعفها أكثر كونها محضّرة مسبقا، اذ أصرّت ادارة الكلية على أن كل الأسئلة يجب أن تحظى بموافقتها ولن تُلقى الا تلك المقبولة سلفا ، ولهذا فليس من المستغرب أبدا أن السؤال الخطير الوحيد عن نووي ايران القته طالبة باحدى المدارس العالمية وليس طالبات الحكمة اللاتي تعرضت أسئلتنا للتسطيح والاقصاء من اداراتنا المبجلة.


 سألت الطالبة بوضوح عن سبب اصرار الولايات المتحدة الامريكية على منع ايران من امتلاك سلاح نووي برغم أن أمريكا لا تمتلك ترسانة نووية فحسب بل انه سبق لها واستخدمته من قبل (في اشارة الى كارثة هيروشيما وناجازاكي) واذا فرضنا أن الدافع هو الحرص على سلامة وأمن العالم فكيف يستقيم هذا مع امتلاك اسرائيل للسلاح النووي دون أن يرف لكم جفن أو يقلقكم امتلاكها للنووي كما أقلقكم سلاح ايران؟!.... سؤال الطالبة حظي بتصفيق حاد من الطالبات مما أربك العميدة وفاجأ السيدة كلينتون التي لم تتوقع كل هذا الاعجاب بالسؤال. وحقيقة لم تبد اجابة الوزيرة منطقية أبدا، وقد بدت غير مقنعة وهي تعيد وتكرر في خطر ايران وخطر برنامجها النووي دون أن تتطرق الى اسرائيل أو تعطي اجابة واضحة عن سؤال الطالبة، بل اكتفت بترديد عبارة "ايران تشكل خطرا على السعودية أكثر مما تشكل خطرا على أمريكا" التي اصبحت كليشيه مكرر. وبرغم أن الوزيرة قالت بأن السؤال ليس جديدا عليها وغالبا ما تُسأل هذا السؤال في زياراتها للعالم الاسلامي والعربي، الا أن اجابتها بدت مشتتة وغير مترابطة الأفكار، بالاضافة الى تجاهلها التام لنووي اسرائيل






  بقية المداخلات أتت متشابهة وبعيدة عن عالم السياسة، وهو ما أرادته ادارة الكلية التي لمّحت قبل اللقاء بأن السياسة خط أحمر لا يجب أن نخوض فيه وأن أسئلتنا يجب أن تكون حول كونها "امرأة ناجحة" بحجة أن عنوان اللقاء هو "التوجهات القيادية للمرأة" ولا أعلم كيف توقعت منا الادارة أن نتناسى كونها وزيرة خارجية.. فوجودها عندنا كان بصفتها الرسمية كوزيرة خارجية أمريكا فهل يعقل ألا نسألها عن سياسات أمريكا خصوصا مع عالمنا العربي؟! ولعل اسوأ الأسئلة من وجهة نظري كان سؤال احدى الطالبات عن قضية التأمين الصحي وهو الموضوع الذي يثير جدلا متصاعدا في أمريكا، وقد قضت الوزيرة دقائق لا حصر لها تشرح مشاكل الرعاية الصحية وكيف تنوي ادارة أوباما التغلب عليها وتوفير تأمين صحي لكل مواطن أمريكي والحلول التي ينون انتهاجها الخ .. كلام كثير في قضية لا تهمنا ولا تعني لنا شيئا في حين أن قضايانا الأخرى مع أمريكا على قفا من يشيل

  ومن نافلة القول أن العميدة حرصت جزاها الله خيرا على اقصاء وتغييب الطالبات المعروفات بتوجهاتهن السياسية ومنهم الناشطة هداية عباس مؤسسة حملة "ذاكرة الحجارة" التي لم يسمح لها بالقاء أسئلتها 


  رغبة الوزيرة أيضا في أن يكون محور النقاش هو حقوق المرأة في السعودية كان مستهجنا بالنسبة للكثيرات، وأحمد الله أن أحدا لم يجاريها فيما أرادته. فنحن كطالبات دار الحكمة وان كنّا مع حقوق المرأة، ومع تحررها الكامل من العادات والتقاليد البالية الا أن فكرة التباكي حول هذه الحقوق مع وزيرة أمريكية بدت لنا غير مستساغة.

  أخيرا أقول بأنه وبرغم كل السلبيات والانتقادات فقد سعدت حقا بحضور السيدة الى كليتنا وحرصها على الالتقاء بنا، ففرصة مثل هذه للقاء الوزيرة حتى ولو لنعبر لها عن غضبنا تجاه سياسات بلدها تعتبر نادرة ،وكم كنت أتمنى لو كانت الدكتورة سهير القرشي بذات المرونة العالية التي عرفت بها، وسمحت لنا بالقاء أسئلتنا دون سياسة الرقيب التي انتهجتها ولم نعتدها منها في الكلية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق