الاثنين، 19 سبتمبر 2011

أدعو لك بالنسيان




        " كل وداع يحتاج الى تحضير.. لكن في أغلب الأحيان تفاجئنا الحياة" 
  عبارة قرأتها في مكان ما، لا أذكر أين ولكنها تحضرني بقوة في ذكراها.. ذكرى المرحومة
   ترى كم مضى الآن على بدء رحلتها الأخروية، سنة.. سنتان.. نعم ربما سنتان الا قليلا.. الهي كم يجري الوقت بسرعه! وما زلت أذكر كل شئ كما لو حدث البارحة فقط.


   سميرة، كان هذا اسمها، وكانت هي زوجة خالي وصديقتي المقربة وأختي الوفية، المرأة التي أحببتها أكثر من خالي نفسه، لكن كل ذلك الحب لم يشفع لي أن أكون بقربها في لحظاتها الأخيرة.. انها مشيئة الله التي منحت تلك اللحظات لأمي وخالاتي وحرمتني أنا وخالي منها.. اللهم لا اعتراض


   سنة كاملة تمر بكل ما فيها ولا زال صدري ينقبض كلما أتى ذكرها وتتسابق دموعي على خدي، واتساءل بحرقة: هل يمكن ان يجف الحزن؟! وكيف يجف وقد خرجت من المنزل وهي حية تنبض حيوية لأعود اليه في أقل من ساعتين وقد فارقت دنيانا.. انها الصدمة حين تسلبك لبك.. وأنا التي ظننت أنني سأحزن عليها للأبد ولكنني كنت مخطئة

  نعم مخطئة.. تناقص الحزن شيئا فشيئا مع مرور الايام، وحل محله ايمان عميق بالقضاء والقدر، وكما يقولون فكل شئ يبدأ صغيرا ثم يكبر الا الحزن، فانه يبدأ كبيرا ثم يصغر، لكنني لن أنكر أني كرهت كون خالي أسرعنا شفاءا ونسيانا، ورغم تأثره الواضح في الايام الاولى للعزاء الا أنه عاد سريعا الى عمله وحياته وكأن شيئا لم يكن.. بل ويتضايق اذا تذكرناها وعاودنا الحنين لايامها

 كرهت لامبالاة خالي وأنا التي لم أكن معجبة به من الاساس، أيعقل أنه نساها بتلك السهولة؟! نسي الحب الأسطوري الذي جمعهما.. وكل المصاعب التي واجهاها لينتزعا موافقة اهليهما ويتكلل حبهما بالزواج؟! هل نسي تسع سنوات من الزواج تخللتها الكثير من المشاكل التي صمدا في وجهها؟!! الا أنني لم ابث ان فوجئت بالعكس تماما

كان ذلك في الليله التي بتُّ فيها عند جدتي، وبعد العشاء توجه خالي مباشرة الى غرفته - كعادته دائما - ليخلد للنوم، وحدث ان احتاجت جدتي الى غرض ما من غرفته فأرسلتني لاحضاره، وتسللت الى تلك الغرفة المظلمة بهدوء حذر، كنت أمشي على اطراف اصابعي، وأتحسس الطريق أمامي في صمت حين تناهى الى سمعي صوت أنين تبين لي بعد قليل أنه بكاء مكتوم. وبسرعه البرق أنرت الغرفة فرأيته جالسا فوق سريره، رأسه بين كتفيه، وجسمه يهتز باكيا، سقط قلبي بين رجلي على منظره ذاك وبعفوية سألته: 
     خالو رشيد.. لماذا تبكي؟!
  كفكف دموعه بيديه دون أن يرفع راسه وردّ على سؤالي بسؤال آخر:
           ماذا تفعلين هنا في غرفتي؟!
        " أنت تبكي خالي.. ما بك؟! ممّ تتألم؟! "
   " ليس بي شئ .. تذكرت سميرة.. يبدو أنني أفتقدها.. هل تصدقين أنه مرت سنة كاملة على رحيلها؟! "
تجمدت مكاني مع كلماته تلك، لكنه اضاف وهو يحاول التقليل من أهمية ما قاله:
       لا تقلقي.. ستزول هذه المشاعر مع الأيام


خرجت من غرفته وقلبي يتقطع ألما، ولدهشتي تمنيت له ليلتئذ النسيان، أن ينساها للابد، لأنها الطريقة الوحيدة لسلامته من تلك الأحزان والآلام التي تعصر قلبه. حقا صدق نجيب محفوظ حين كتب على لسان احدى شخصياته في رواياته قائلا:
   " حزن الرجال ليس ولن يكون كحزن النساء، ولو استسلم الرجال لأحزانهم لناءت بها كواهلهم المثقلة بالأعباء"
                   
          سأدعو لك بالنسيان خالي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق